استيقاظ الجميلة النائمة
القبردي ـ بلقار
الجزء الأول
هذه المقالة هي موجز لتقرير قدمته الصحفية فاطمة تليسوفا من جمهورية القبردي ـ بلقار خلال محاضرة نظمتها مؤسسة جنستون بتاريخ 21 أيار/مايو 2007 إحياء لذكرى ضحايا الحرب الروسية – القفقاسية تحت عنوان "شركسيا: ماضيها وحاضرها ومستقبلها". وقد تناولت تليسوفا في مقالتها التي حملت اسم "القبردي ـ بلقار: نظرة من الداخل" وضع الجماعات الإسلامية في الجمهورية ومواقف الحكومة منها. قامت وكالة أنباء القفقاس بتلخيص أبرز ما ورد في المقالة ونقلته إلى العربية:
خلال السنوات العشرة الماضية كانت جمهورية القبردي ـ بلقار إحدى أكثر جمهوريات شمال القفقاس امتلاء بـ "المناطق الساخنة" القابلة للاشتعال رغم أنها حافظت ولفترة طويلة على تبعيتها لروسيا واستقرارها وأمنها مقارنة بالجمهوريات الأخرى. لكن وبفضل "اليد المباركة" لزعيم المقاومة الشيشانية، الذي لقي مصرعه، شامل باساييف بدأت "الجميلة النائمة" التي نجحت بالحفاظ على استقرارها فترة طويلة تستيقظ شيئا فشيئا.
هذا التقرير يعمل على تحليل أسباب ونتائج "استيقاظ الجميلة النائمة" ويروي بإسهاب وقائع أحداث 13 تشرين الأول/أكتوبر 2005 في نالتشك.
1. تعريف موجز بالوضع الجغرافي والبنية الإدارية للقبردي ـ بلقار
القبردي ـ بلقار هي جمهورية فدرالية تقع داخل كيان الفدرالية الروسية يديرها رئيس الجمهورية والبرلمان.
تبلغ مساحة الجمهورية 12 ألف و47 متر مربع ويصل تعداد سكانها إلى حوالي المليون.
يحدها من الجنوب جورجيا ومن الشرق أنغوشيا وأوسيتيا الشمالية ومن الغرب ستافروبول كراي والقرشاي ـ شركس. بغض النظر عن وضعها الاقتصادي والاجتماعي ونسبة البطالة المرتفعة وديونها للخزينة الفدرالية فإن القبردي ـ بلقار تعتبر الأكثر استقرارا خلال السنوات الماضية مقارنة بباقي مناطق جنوب روسيا.
2. البنية الإثنية: وضع القوميات المختلفة، مصالحهم وخلافاتهم
حسب إحصائيات عام 2002 يبلغ عدد القبردي في الجمهورية 498.702 نسمة، والروس 226.620 والبلقار 104.951.
يحتل القبردي سائر المراكز الاجتماعية والسياسية الهامة بحكم أنهم يمثلون الأغلبية فالحكم الإداري بأيديهم إضافة لرئاسة الجمهورية والوزارات الحساسة وإدارة هيئات الرقابة.
ويعتبر البلقار ثاني أهم مجموعة عرقية في البلاد وهم يحتلون المركز الثاني في الحكم أي منصب رئيس البرلمان ونائب رئيس الوزراء.
أما الروس فيُعتبرون أقلية عرقية وليس لهم تأثير كبير في الحياة السياسية على العكس من وضعهم في القرشاي ـ شركس حيث يلعبون دورا هاما في الحياة الاجتماعية والسياسية هناك. فخلافا لوضع الروس في القرشاي ـ شركس ليس بوسع الروس في القبردي ـ بلقار الادعاء بكونهم يمثلون دور حاجز (أو عازل) في الخلافات بين الأمم. والروس يمتلكون منصب رئيس الوزراء ويديرون كل الوحدات الأمنية والقضائية في الجمهورية.
هنا يجب القول أن الجهاز الأمني للبلاد تابع تماما لإدارة المركز الفدرالي فوزارة الداخلية والـ إف إس بي وشرطة الضرائب والوحدات الفدرالية الأخرى ليست بيد الحكومة بل هي تابعة لموسكو بشكل مباشر وهذا الأمر لا يقتصر على القبردي ـ بلقار فحسب وإنما يشمل كافة جمهوريات شمال القفقاس الأخرى مما يظهر ضعف وعجز المؤسسات المدنية فيها.
بلغت الحركات القومية القبردي أوجها في الجمهورية مطلع التسعينيات حيث أعلنت الأديغي خاسه والمؤتمر الشعبي للقبردي شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 1992، اللتان تعتبران من أهم وأقوى المؤسسات في الجمهورية، برئاسة البروفيسور يوري شنيبه الرغبة بالانفصال عن روسيا وتشكيل دولة مستقلة وحصلت على دعم جماعي من الشعب. وخلال تلك الفترة كانت تشهد نالتشك على الدوام مظاهرات تطالب بالاستقلال واقتربت الجمهورية من حافة حرب…
لكن سرعان ما تصرف رئيس الجمهورية آنذاك فاليري كوكوف: لقد اختُطف شنيبه واعتُقل وقامت الشرطة والوحدات العسكرية بتفريق التظاهرات بالقوة وأصبحت رئاسة المؤتمر تخضع للرقابة. وهكذا تمكن كوكوف، القبردي الأصل، من القضاء على الحركات الانفصالية بشكل فعلي وأظهر للكرملن أنه رجل دولة بيروقراطي دولاني.
تم حل المؤتمر الشعبي للقبردي ومن بعده الأديغة خاسه وقامت الشرطة بنهب مكتب المنظمة وحرق أرشيفها وتفريق أفرادها.
عوضا عن المؤتمر الشعبي والأديغي خاسه تأسست عام 2002 منظمة أخرى كانت بمثابة برلمان مدني حملت نفس اسم الأديغة خاسه لكنها كانت ذات أهداف مختلفة. فإذا ما نظرنا للتصريحات المنهجية للأديغة خاسه الحالية نلحظ أن أهم هدف لها بات الترويج لفكرة محبة الشراكسة للروس وشكرهم وعرفانهم لهم. لقد تم حل المنظمات المدنية القبردي بالضغط والقوة وباتت سلطتها وتأثيرها بين القبردي ضعيفة جدا.
رغم أن الخلاف العرقي في القبردي ـ بلقار ليس بعيدا جدا إلا أن جذوره قوية وصلبة. ويرجع أصل الخلاف بين لفترة ستالين الذي هجَّر البلقاريين من أوطانهم وأبقى على القبردي. هذا الظلم وعدم المساواة أثرا بشكل كبير فيما بعد على العلاقات المتبادلة بين هاتين المجموعتين وخصوصا بعد عودة البلقار إلى موطنهم.
مع حلول الألفية الثالثة لم يبق في القبردي ـ بلقار أية منظمة مدنية ذات تأثير فعلي على وعي الشعب مما خلف فراغا في البلاد ملأه الدين. فالإسلام الذي ولد مجددا بعد سبعين عاما من حكم النظام الشيوعي روى عطش أكثر فئات المجتمع فاعلية أي الفئة الشابة فقد بدأ الآلاف ممن تتراوح أعمارهم بين 14 – 40 عاما يترددون على الجوامع…
3. البنية الدينية: مكان ودور الأديان المختلفة
في شهر تموز/يوليو من عام 2004 نشر المكتب الصحفي للهيئة الدينية في القبردي ـ بلقار تقريرا عن وضع وعدد الجماعات الدينية في الجمهورية وحسب ما جاء فيه فإنه يوجد لدى الديانات المختلفة حوالي 160 منظمة دينية مسجلة رسميا معظمها منظمات إسلامية ومسيحية ويهودية. وذكر التقرير أن هناك تسامحا بين معتنقي الأديان المختلفة لكنه تحدث عن وجود خلافات بين المسلمين فقط إذ جاء فيه: "لا ينضوي جميع المسلمين في القبردي ـ بلقار تحت لواء الإدارة الدينية والمعارضون للزعماء الإسلاميين الرسميين قد وحدوا الصف في مجموعات مختلفة غير مسجلة رسميا".