أنواع الإبادة في الشيشان ـ 2

الجزء الثاني

رغم أن كثيرا من شعوب العالم ذاقت ويلات مخيمات الاعتقال الفاشية إلا أني لم أتمكن حتى الآن من فهم سبب عدم مبالاتها بمخيمات الاعتقال وعلى الأخص أنه من الممكن تخمين من ستكون الضحية التالية… وكونوا على ثقة من أن الفاشية تجد على الدوام "سببا" لارتكاب هولوكوست وساماشكي جديدة.

——

"مما لا شك فيه أنه مع تسلم بوتين مقاليد السلطة في روسيا بدأ يظهر نوع جديد من أنواع الفاشية. وكما هو معروف فإنه عندما بدأت تظهر الفاشية في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي كان الغرب حينها أيضا يرقب هذا التطور بصمت وحتى أنه كان يدعم تلك المرحلة اقتصاديا رغبة منه برؤية "ألمانيا هتلر دولة مستقرة وصديقة". ومن المعروف ما انتهى إليه موقف الغرب في ذلك الحين الذي كان بعيدا كل البعد عن المبادئ. وللأسف يكرر التاريخ نفسه اليوم فها هي أمريكا وأوروبا تصفقان للرئيس الجديد الذي أحيا مخيمات الاعتقال كما كان الحال في الثلاثينيات."

تلك السطور أخذت عن تحليل موثق حول جرائم نظام الكرملن في الشيشان قدمه وزير الصحة في جمهورية الشيشان ـ إتشكيريا عمر خانبييف قبل عامين في الغرب. إن الوضع الراهن في روسيا (وبغض النظر عن الشيشان) يظهر صحة ما خطه الوزير الشيشاني ويظهر أيضا أن البحث الذي قام به لا يزال واقعا راهنا هذا اليوم أكثر من أي وقت مضى.

مباشرة عقب نشره التقرير في أوروبا أرسل عمر خانبييف لرئاسة التحرير في الإعلام الشيشاني تحليلا علميا تناول أساليب التعذيب التي يمارسها الروس على الشيشانيين المحتجزين والأسرى الجنود في إتشكيريا. وتنبع أهمية هذا التحليل العلمي من أن كاتبه لم يكن مجرد شاهد على وسائل التعذيب التي لا يتصورها عقل ولكن من كونه تعرض بنفسه هو أيضا لمعظم وسائل التعذيب الممارسة في مخيمات الاعتقال ليكون بذلك شاهدا وضحية بالوقت ذاته. في بحثه العلمي يميز خانبييف وللمرة الأولى بين وسائل التعذيب المتبعة مع المعتقلين الشيشانيين وقد تمت ترجمة هذه الدراسة الهامة على ثلاثة أجزاء إلى اللغة التركية كما يتم إعدادها باللغات الروسية والإنكليزية والعربية.

التجديدات التي أدخلها بوتين في أسلوب إبادته للشيشانيين

في الشيشان تمت تغطية الإبادة بغطاء مناسب بعد أن أطلق عليها اسم "عملية مكافحة الإرهاب" واستخدمت مصطلحات مثل "المولا" و"قتلة" كستار للتغطية على إبادة الشعب الشيشاني. ولعل أبرز "الإجراءات" الجديدة التي ابتكرها بوتين هي بيع جثث المعتقلين الذين يتوفون أو يصابون بعاهات دائمة أثناء اعتقالهم إلى ذويهم واستخدام النقود التي يتم الحصول عليها من "هذه الإجراءات" لدفع رواتب الجلادين.

ولقد تحدث ذلك الرجل الذي يطلق عليه اسم رئيس روسيا عن هذا الأسلوب لدى ظهوره في أحد البرامج على التلفزيون الروسي عندما كان يشرح لجنرالاته بليدي الذهن، مستخدما تلميحات واضحة أمام المشاهدين، كيفية وضرورة حل مسألة دفع مرتبات الجنود في الشيشان بشكل سريع. أي أنه كان يتحدث عن نهب المدنيين الشيشانيين.

مع هذا فإن هتلر فاق بوتين بموضوع شفافية الأفكار حيث أنه أسس "علما ليثبت تفوق العرق الآري". لكن إذا ما وضعنا بعين الاعتبار أن بوتين إنسان حاقد محدود الذكاء ندرك، حسب قناعتي، بأن تفكيره المحدود لم يخوله فعل شيء كهذا. لكني لا أستبعد مع ذلك تشكيله مجموعة من المتملقين والعلماء المزيفين لمحاولة مساعدته بإثبات أنه على صواب بإبادة الشعب الشيشاني.

مخيمات الاعتقال

حسب المعلومات الرسمية الصادرة عن حكومة الشيشان ـ إتشكيريا فإن أكثر من أربعين ألف شيشاني مدني قضوا نحبهم في مخيمات الاعتقال الروسية منذ بدء اندلاع الحرب الثانية (وهذا الرقم لا يشمل الذين قتلوا خلال عمليات القصف أو التطهير). كما أن أكثر من عشرين ألف آخرين اختفوا دون أن يتركوا وراءهم أي أثر، ويخضع عدد مماثل تقريبا للتعذيب والإعدامات دون محاكمة في مخيمات الاعتقال. أنا بنفسي خضعت لعمليات التعذيب التي يمارسها الروس عندما كنت معتقلا في إحدى تلك المخيمات وبما أني طبيب أطلع أيضا وباستمرار على المشاكل الصحية التي يعاني منها الأسرى السابقين من جراء التعذيب الروسي. وقد توصلت لقناعة تفيد بأن معظم طرق التعذيب قد أعد بأدق تفاصيله وأساليبه في مختبرات خاصة للاستخبارات الروسية. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تكرر أغلب تلك الأساليب بأدق تفاصيلها في معتقلات مختلفة ندرك أنه لا بد وأن يكون هناك منهج نموذجي أو شخص من موسكو يعلم الأسلوب الصحيح الذي يجب إتباعه لإحداث إعاقة لدى الأسير وضرورة جعله يعاني ويتعذب. بناء على البحوث والتحليلات التي قمت بها شخصيا يمكن تقسيم التعذيب المنهجي المستخدم على الأسرى الشيشانيين في المعتقلات الروسية كما يلي:

1.    تعذيب نفسي: أ) فردي ب) جماعي

2.    تعذيب جسدي: أ) فردي ب) جماعي

3.    تعذيب يستهدف القدرة الإنجابية

4.    تعذيب يفضي إلى الموت

التعذيب النفسي

وأشيع أنواعه هي التالية:

1 ـ "التعذيب بالتهديد بالقتل": هذه التجربة يخضع لها معظم الأسرى وأنا أعرف جيدا ما يشعر به الإنسان عندما يتعرض لها. وبالتأكيد تختلف ردود فعل كل شخص تبعا لتكوينه النفسي. عندما خضعت أنا لهذا التعذيب الرهيب عشت توترا نفسيا شديدا لا تمكن مقارنته حتى بالشعور الذي ينتاب الإنسان عندما يكون عرضة للموت في أية لحظة تحت القصف أو في حقل ألغام. حيث يشعر الشخص عند تعذيبه بهذا الشكل أنه عاجز تماما عن الدفاع عن نفسه وفي مأزق لا يستطيع الخروج منه.

وبعد فترة من الزمن تشعر بأن عقلك فقد قدرته على إدراك الأمور والأحداث وتصبح عاجزا عن إبداء ردود فعل فعالة رغم أنك تشاهد وتدرك كل ما يجري حولك بوضوح. حسب ما أذكر فإني قررت عندما كنت معتقلا أن أصر